مسابقة فنية قامت بها رهام جمهور مسؤولة عن فريق أبواب الحرية الدولية حيث حصلت على المرتبة الأولى أسماء خوجة

العنوان : بين أطلال غزة


كنت أمشي بين كل تلك الأطنان من الركام على رؤوس أصابعي ،خوفاً من أن أدوس بقايا طفل  انتثرت هنا او هناك،وتجنبت النبش كي لا تلامس يداي أنامل أحدٍ ممن دُفنوا تحت الأنقاض.
وصلتُ إلى جمعٍ كبيرِ من الناس كانوا مُلتمّين حول جثامين كثيرة ،كلٌ يقعد بجانب فقيده،فاستغربت ابتسامة إحدى النساء ،فاقتربت منها بفضول لأسئلها  : أعتذر ياخالة ما الذي يجعلك تبتسمين وانت وسط الموت؟ 
فأجابتني وهي مستمرة في الإبتسام : أنا أم هؤلاء الشهداء الأربعة ، هم أولادي،فكيف لا أكون سعيدة وأنا أزُفٌ للشهادة فلذات كبدي،قد ربّيتهم على حب الوطن والتضحية في سبيله واليوم أهديهم فداءاً لهذا الوطن وانا كلٌِي فخرٌ واعتزاز، فحاولت مقاطعتها إلا أنها استرسلت حديثها قائلةً :ولن يتوقف نضالنا بموت الأحبة فأنا لدي إبنان آخران سوف أهتم بتربيتهما وأزرع فيهما كل ما يحتاجان ليكملا مسيرة إخوتهم،ولن أبخل بقطعة من روحي من أجل بلادي.وسكتت وانتهى الكلام !!وبكت وأبكت الجميع.
وبينما كنت  أنظر من حولي لمحت فتاةً تجلس لوحدها قبالة جثة رجل مكتوب على كفنه أنّ  إسمه طه، فدنوت منها وقلت: العوض بحياتك يا اختي ،وما صلةالشهيد  بك يا أختاه؟ فأجابت وهي تلامس الجثمان بكل حب : هو أمسي وغذي، هوسندي وعضدي،هو الأحلام المنطفئة والذكريات المهترئة،هو الماضي الجميل بذكرياته والحاضر برفاته،إنه زوجي،ورفيق دربي( كان ) وأب إبننا الذي لم يُكتب له أن يراه ،جئت لأجدد معه العهد ولأطمئنه أنني سأربي إبننا كما تمنينا وأن أجعل منه رجلا قويا شجاعا مثله،وكي نودعه انا وابنه ألى الملتقي .
كم عجبت لصبرها ! رغم أن حزنها كان باديئاً على مُحياها وطافٍ على عيناها إلا أنها تحدثت بكل ثقة وثبات .
لقد كان المنظر حقّاً مؤلماً ومحزناً، كم من الثكالى واليتامى،والأرامل....كم من القلوب المحترقة والأفئدة المنكسرة،لقد دمروا البلاد و العباد .
وبينما كنت أهُمّ بالأبتعاد سمعت عجوزاً تقول لإبنها الذي كان يعانق جثة صغيرة بين ذراعيه: لا تحزن يا بني فقد فازت صغيرتي بالجنان وهي الآن في كنف الرحمان،لا خوفٌ عليها ولا يحزنون، ومهما دمر العدو فنحن سنبني ونعمر، وإن قتلوا الأبناء ،نحن ننجب جيلا للفداء، فنحن أصحاب حق وأبشر فالنصر مهما طال قريب.
أثّرت فيّ كلمات هاته المرأة وحكمتها، وجعلتني ارى مدى روعة نساء فلسطين ،الصابرات،الشاكرات،المقاومات،كلهن تحدي وصمود.وبينما كنت أُعدد بذاخلي ميزات هؤلاء النساء تعالى صراخ أمٌِ مكلومة حرمها العدو الغاشي من قرة عينها فقتلوا أبنائها الثلاثة وكانت تصرخ عالياً بين الناس : لقد مات أولادي وهم جوعى!!  لم أقدر حتى على توفير الأكل لهم،فكانت المسكينة تتأرجح يميناً ويساراً،وهي تبكي بحرقة على فراق ابائها.
أحزنني حزنها كثيراً ، ومنظرها وهي تتخبط في صدمتها لن أنساه ما حييت.
لقد أدهشني عزم هؤلاء النساء وقوة عزيمتهن و رغم كل ما يعانين فهن صابرات،شامخات،وروح التحدي فيهن لا مثيل لها.
إنهن أيقونات الصبر السرمدي،انهن الفلسطينيات
......

إنهن الفلسطينيات 
القوارير التي لا تُداس.
البراكين الخامدة الإحساس. عطاؤهن سخي لا يُقاس.
وتضحياتهن إلهام للإقتباس.
تصبرن وتصابرن...
تتمنّعن وتُكابرن...
تضحين وتخاطرن.....
...لكن قلعتهن لا تُحاصر
...وشموخهن لا ينحني لِآمر.
تُنجبن جيلَ التحدّي والإباء.
وتفطِمنه على الوطنية والإنتماء.
لا تحلُمن بمستقبل الوليد.
فحب الوطن استعمر الوريد.
القضية أولاً والحياة تهون.
:أول دروس الأم الحنون.
فالأم هي الوطن والكل بها مرهون.


الكاتبة : أسماء خوجة


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

‎هو كاتب يدعى حبيب القلب إبراهيم الحسن يحمل أنامل رائعة ويكتب بكل حب وشغف ولديه طاقة جميلة وقام بالكثير من الأعمال الكتابية ويكتب الكلمات الجميلة الملونة بالمسك والعنبر ولديه طيبة توزع على الأرجاء وأنا فخورة بوجود أمثاله من الكتاب معنا في الفريق

مسابقة قامت بها رهام جمهور مسؤولة أبواب الحرية الدولية ، حيث حصل/ ت على المرتبة الأولى : يسرى خضور

مسابقة فنية قامت بها رهام جمهور مسؤولة عن فريق أبواب الحرية الدولية حيث حصل على المرتبة الأولى حافظ محمد السعيد